التحديات الماثلة أمام الشباب الإرتري
لاشك أن هناك تحديات تقف بالمرصاد أمام
تقدم الشباب الإرتري اليوم نحو الزود عن الشعب والوطن والإنضمام لركب الثورة
الناهضة لإحداث التغيير الديمقراطي والرافضة لإستمرار حكم العسكر في إرتريا، ولعل
هذه التحديات أصبحت تأخذ أشكال عديدة وتواجه أصناف ثلاثة من الشباب، الصنف الأول
هم الذين قام الهقدف بتعبئة عقولهم وتوجيه عاطفتهم لخدمة النظام وجعلهم من أهم أدواته التي يدافع بها عن شرعيته
وإستحقاقه للسلطة ، ولعل هذه الشريحة من الشباب تم إستدراجهم وإنتشالهم من مراحلهم
التعليمية الإبتدائية وقام بنقلهم الى سكناته العسكرية ليصبحوا جنوده الخلصاء
وخطوط دفاعاته الأمامية ، ومن ثم لينالوا بذلك ثقة النظام ويقوم بترقيتهم وتدريبهم
في قواته الخاصة والوظائف الأمنية الهامة المخصصة للصفوة ، ولا عجب أن أصبحوا يمارسون
الوسائل البشعة التي تدربوا عليها ضد أهاليهم وجموع أفراد شعبهم الإرتري.
ولكن عندما شعروا بالضائقة الإقتصادية تحيط بهم وتهاوت أمام أعينهم
طموحاتهم المستقبلية وتطلعاتهم للحرية والعيش كباقي خلق الله، بدأوا في التزمر من
الوضع والتخطيط للهرب خارج البلاد، لأنهم لا يريدون أن يعيشوا بلا مستقبل وبلا أمل
في التغيير والتطور نحو الأفضل، وهؤلاء الشباب هم الشريحة التي تضررت كثيراً ولم
تعد قادرة على التفكير المستقل لأن إرادتها أصبحت لاتجيد سوى الخضوع ولا تؤمن إلا
بالهقدف، ولذلك يصعب عليها أن تتجاوب مع
النضال الوطني القائم لأن قناعتها بصلاحية
الهقدف للحكم لا تدانها قناعة أخرى ، لأن
المعارضة للنظام والمقيمة في إثيوبيا في نظرهم عملاء خانوا الوطن وإنكروا أمانة
الشهداء الذين جاءوا بالإستقلال من خلال تضحياتهم وتصديهم للعدو ورفضهم الإستسلام .
أما الصنف الثاني من الشباب هم الذين
أكملوا تعليمهم الجامعي أو الثانوي في إرتريا وبنفس الأسلوب السابق لكنهم مجبرون
ولاخيار أمامهم غير ذلك ، وعندما لاحت أمامهم الفرصة للتخلص من واقع المعاناة التي
يعيشونها كباقي أفراد الشعب الإرتري ، إغتنموا الفرصة وأصبحوا لاجئين معبرين بكل
وضوح عن رفضهم لسياسة النظام الديكتاتوري من خلال مشاركتهم في المسيرات السلمية
والتظاهرات المنددة بسقوط الهقدف ، وهم مع ذلك غير مستعدين لإجراء المقابلات
الصحفية للكشف عن الوضع الراهن في إرتريا ، ولهذا نجدهم يهربون من مواجهة الكامرات
فيغطون وجوههم تارة بالنظر الى الأسفل وتارة بوضع أقنعة أو كتاب يحملونه بأيديهم
لمنع الأضواء من تحديد هويتهم الشخصية .
الصنف الثالث وهم من جاء الى إرتريا بعد
الإستقلال قادماً من معسكرات اللاجئين أو تاركاً إقامته سارية المفعول في دول
المهجر مفضلاً الإقامة في وطنه الغالي، هؤلاء معظمهم ولد خارج إرتريا ومع ذلك يتمتعون بحس الوطنية بصورة ملفتة لأن
أسرهم أحسنت
تربيتهم وتعبئتهم لصالح وطنهم حتى إرتفعت
لديهم الغيرة الوطنية بنسبة لا تقل عن الذين ولدوا داخل إرتريا، وهم عندما إنخرطوا
في الحياة الإجتماعية والمهنية والتعليمية حصلوا على ألقاب تدل على أنهم غرباء عن
الوطن رغم كونهم إرتريين ،ثم فجأة وجدوا أنفسهم داخل إحدى الحملات التي يديرها
النظام لتجنيد المجتمع لأغراضه ونزواته العسكرية لقمع الشعب الإرتري أو دول
الجوار، وعندما ضاقت بهؤلاء الأرض بمارحبت لرفضهم مبدأ الخدمة العسكرية غير محددة
الأجل قرروا العودة مجدداً للهجرة والإغتراب أو اللجؤ الى معسكرات اللاجئين كما
كان الحال عليه سابقاً قبل الإستقلال، فتمكن بعضهم الخروج من إرتريا بطريقة رسمية
وآخرين إضطروا لإرسال أبناءهم عبر السماسرة والمهربين خارج الوطن ومن ثم لحقوا بهم
وبنفس الطريقة غير الآمنة فنجح من نجح وتعرض من تعرض للإعتقال ومن ثم التعذيب
والقتل .
إن الأصناف الثلاثة جميعها مرت بنفس الظروف
الإنسانية القاسية وتعرضوا لكافة أنواع الإمتهان والقمع والترهيب والتعذيب النفسي
والجسدي داخل إرتريا، ومع ذلك أصبح لكل صنف موقفه المختلف من العملية النضالية
المناهضة للهقدف ، وكأن سقوط الهقدف لايرفع عن عاتق الجميع الكثير من الضغط النفسي
الذي بات يمنعهم من التجاوب مع الحياة الجديدة التي إنتقلوا إليها، فمنهم من يخفي
حقيقة مشاعرهم من المشاركة في المسيرات السلمية ضد الهقدف لأسباب كثيرة أهمها
الخوف على من تبقى من الأسرة داخل البلاد أو الخوف من أن يحرمه النظام من العودة
الى إرتريا مجدداً ، وهذا لا ينفي وجود من يؤمن بالهقدف إيمانه بالوطن كنتاج طبيعي
للتعبئة الخاطئة التي تلقوها داخل الوطن من آليات الهقدف الإعلامية التي إستغلت
نفسية المواطن وعملت على خداعه بترديد أنغام الوطنية ونسج أوتارها من خلال الهوية
السياسية الجديدة للبلاد التي تحققت بفضل الهقدف ، فظن معظم هؤلاء الشباب أن
الدفاع عن الوطن يعني حماية النظام الإرتري القائم الذي بفضل مجاهداته وقدرات زعيمه
إسياس أفورقي الأسطورية تحقق الحلم، وبالتالي هم يعتبرون النظام الحاكم خط أحمر
يجب أن لا يمسه أحد وإلا تعرض إنتماءه للوطن للشكوك وولاءه للمساءلة والتجريم.
ذلك في الوقت الذي ننادي فيه الشباب بجميع
أصنافهم المذكورة أعلاه، الى النهوض من سباتهم والتخلص من عبوة الدعاية التي تملأ
فراغ حياتهم وتحول بينهم وبين الرؤية الواضحة لحقيقة الوضع المأساوي القائم ، لأن
الذي تخلى عن أمانة الشهداء وباع تضحياتهم بثمن بخس هو إسياس أفورقي والمتنفعين من
سياسته الإنتهازية وليس العكس، وبالتالي لايوجد خيانة للمبادئ الوطنية عند
الإنضواء لمعسكر القوى المعارضة لسياسة الهقدف الديكتاتورية، لأن المسار النضالي
الذي تقوده الإرادة الشبابية اليوم لا يهدف الى شئ آخر سوى توحيد الطاقات الشبابية
وتحديد هوية العدو والإجماع حول المسار الديمقراطي الذي يمكننا معه من إعادة
الكرامة والإرادة المستلبة الى أصحابها (أي جموع الشعب الإرتري) وحماية الوطن
والمواطن من قبضة السياسة الإستعمارية لنظام الهقدف وأي نظام إرتري قادم.
لندرك من ذلك أن التحدي الكبير أمام شريحة
الشباب يتمثل في التجربة القاسية التي تعرضوا لها والقراءة الخاطئة للأحداث
التأريخية التي شكلت الوطن الإرتري اليوم بالإضافة الى مخاوفهم النفسية على أسرهم
من التعرض لخطر الإنتقام إذا حاربوا علناً سياسة النظام الحاكم ، وأخيراً تأثرهم
بثقافة النظام التي بنت فجوة بين ألوان الطيف الإرتري (أي اللغات والقوميات
والديانات) المشكلة لهوية المجتمع الإرتري والتي تشبه ألوان العلم الإرتري المتحدة
في إطار واحد وهي رغم إختلاف ألوانها وتعددها إلا أنها تشكل في مجموعها مصدر قوتنا
ورمز وطنيتنا وشعار وحدتنا ، ولعل التفرقة التي تعاني منها الساحة الإرترية اليوم
هي نتاج سياسة المستعمر الأجنبي والوطني على حد سواء ، لأن الإستقطاب الحاد لشريحة
الشباب من قبل القوى المعادية للوطن (عملاء الهقدف وعملاء ثقافة الديكتاتورية
المتواجدين في المعسكرين الحاكم والمعارض) أصبح من الأسباب الرئيسية التي جعلت
الساحة بلا هدف تنظيمي يجمع شملها ويقوي عزمها ويحدد مسارها الوطني .
أما الواقع المتردي لمعسكر المعارضة
والمظهر المخزي لقواها التنظيمية وقدراتها القيادية التي فشلت في إدارة العملية
النضالية المناهضة لمعسكر القوى المساندة للهقدف ، هو الآخر أصبح من التحديات التي
أوجدت المبرر لقطاع كبير من الشباب لرفض الإنضواء لهذا المعسكر إما بإعتباره عميل
لإثيوبيا أو لأنه فقد مصداقيته أمام الشعب الإرتري وأثبت فشله ، إذ أن معظم الشباب
القادم من إرتريا الى معسكرات اللاجئين يجهل حقيقة الأوضاع السياسية القائمة ولهذا
تم تشكيله ليكون جزء من إفرازات المرحلة السابقة وتعقيدات المرحلة الراهنة ،
وبالتالي فهو لا يستطيع تحديد موقفه المستقل منها لكونه متأثر بموقف الهقدف
المعادي لكل من يعارضه ، حيث لم يبق أحد لم يعاديه النظام الإرتري أو لم يقع فريسة
حكمه الديكتاتوري، ولعل هذه الخلاصة كافية لجعل الشباب يعود الى رشده ويدرك موقعه
من الإعراب ودوره النضالي المنتظر لدعم حق الشعب الإرتري في الحرية والديمقراطية
والسلام.
حريتنا حتمية
حركة شباب إرتريا لإنقاذ الوطن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق